الأونروا وحق العودة- خطة الكيان الخبيثة لإنهاء القضية الفلسطينية.

المؤلف: سامي مشعشع11.15.2025
الأونروا وحق العودة- خطة الكيان الخبيثة لإنهاء القضية الفلسطينية.

بات المشهد جليًا وواضحًا الآن، بينما لا تزال بعض الكيانات الفلسطينية متشبثة بأوهام زائفة، معتقدةً أن الأزمة الحالية مجرد "عاصفة عابرة"، غافلةً عن أن الكيان الصهيوني يخطو بخطوات حثيثة ومتسارعة نحو تحقيق "انتصار" استراتيجي ساحق، لطالما سعى إليه على مدار عقود مديدة.

ففي الوقت الذي يبحث فيه الكيان المحتل عن أي "صورة" نصر، حتى وإن كانت باهتة وشاحبة، في ظل حملة الإبادة الشرسة والمسعورة التي يشنها على غزة، وبينما يحاول جاهدًا تجميع مكاسب تكتيكية ضئيلة وتضخيمها إعلاميًا، في ظل عجزه التام وفشله الذريع في القضاء على أي شعور بالمقاومة لدى الفلسطينيين، فإنه في المقابل يسعى بكل ما أوتي من قوة لتحقيق نصر بعيد المدى، يحمل في طياته تداعيات وجودية وكارثية إذا ما تحقق له ذلك.

إن التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم هو الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الكيان، في حين أن التوطين الجبري للاجئين الفلسطينيين يمثل الهدف الاستراتيجي الأسمى الذي يطمح إليه. فمن الواضح أن الكيان لن يتمكن من الخروج من غزة بما كان يصبو إليه، ولذلك فإنه يبذل جهودًا مضنية واستثنائية من أجل الالتفاف على فشله العسكري، وذلك من خلال تكثيف العمل على استغلال مرحلة ما بعد الحرب.

لقد شرع الكيان بالفعل في اتخاذ خطوات متتابعة ومتسلسلة في اتجاه تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إن لم يكن القضاء عليه تمامًا أمرًا ممكنًا في الوقت الراهن. ويكمن مفتاح تحقيق هذا الهدف في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

فقد نجحوا في تشويه سمعة الوكالة وتصويرها ككيان شيطاني، ونجحوا – ولو بصورة جزئية – في صرف الأنظار عن حرب الإبادة التي ترتكب بحق الفلسطينيين، وتوجيه الاهتمام الإعلامي والسياسي نحو مزاعم تورط تسعة من موظفي الأونروا في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك على الرغم من غياب الأدلة القاطعة والموثوقة (بل إن وكالة الاستخبارات الأميركية نفسها بدأت تشكك في صحة هذه الاتهامات).

وقد اتهموا الوكالة بانتهاك مبدأ الحياد، وترويج مناهج تعليمية تغذي الحقد والكراهية، ونجحوا في تعليق التبرعات المخصصة للوكالة، وتبنوا خطوات واضحة المعالم تهدف إلى تحقيق غرضين رئيسيين: طرد الأونروا من القدس، وضمان "عدم وجود" أي دور أو حضور للوكالة في مرحلة ما بعد حرب الإبادة على غزة، كما صرح بذلك نتنياهو وحاشيته.

وانطلاقًا مما سبق، فقد أتبعوا ذلك بسلسلة من الإجراءات التي تصب في نفس الاتجاه، بما في ذلك: بذل جهود متواصلة لطرد الوكالة من مقرها الرئيسي في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، والذي تتواجد فيه منذ 75 عامًا، ومنع المئات من موظفي الأونروا الفلسطينيين من الوصول إلى المدارس والعيادات ومقر الرئاسة ومخيم شعفاط في القدس منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

إن الأمر الأكثر خطورة على حق العودة وعلى الأونروا يتمثل في مهام ودور وأهداف "فريق العمل المستقل"، والذي أخشى من أن يسعى إلى المساس بالوكالة وولايتها ورمزيتها ودورها وحضورها داخل فلسطين

كما قاموا بعدم تجديد أو تجديد مقنن وشهري لتأشيرات العاملين الدوليين في الأونروا في القدس وغزة، بالتزامن مع العمل على إلغاء الامتيازات المتعلقة بالإعفاء الضريبي والجمركي الممنوحة للوكالة، وتعليق شحن بضائع الأونروا إلى فلسطين، وتجميد الحساب البنكي للوكالة في أحد البنوك الإسرائيلية.

ويتواصل العمل على مشروع قانون يهدف إلى سحب الامتيازات والحصانات الممنوحة للأونروا بموجب اتفاقية "كوماي مكليمور" الموقعة في العام 1967، بالإضافة إلى مواصلة العمل على مشروع قانون (استنادًا إلى القانون الأساسي الذي ينص على أن القدس هي عاصمة الكيان الموحدة) يمنع أنشطة الأونروا وتواجدها في "الأراضي الإسرائيلية".

وفي تطور لاحق، طالبت "مصلحة أراضي إسرائيل" الأونروا بإخلاء معهد قلنديا للتدريب المهني والتقني، الكائن مقابل مخيم قلنديا، ومطالبة الوكالة بدفع مبلغ 4.5 ملايين دولار بدل إيجار، وبدل استخدام المرافق! وبالأمس، قدم رئيس وزراء الكيان خطته/ رؤيته لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، والتي تتلخص في: لا دولة للفلسطينيين، ولا وجود لسلطة فلسطينية في غزة إلا من خلال روابط قرى ومخاتير، ولا وجود للأونروا.

هل وضحت الصورة إذن؟

إن الخطر الأكبر الذي يهدد حق العودة للأجئين الفلسطينيين ويهدد وجود الأونروا يكمن في المهام المنوطة بـ "فريق العمل المستقل" وأهدافه ودوره، والذي أخشى (استنادًا إلى شواهد لجان سابقة قامت بالتحقيق وتقييم عمل الأونروا، وأنيطت بها مهام مماثلة) من أنه سيسعى إلى النيل من الوكالة وولايتها ورمزيتها ودورها الفاعل وحضورها المؤثر داخل فلسطين، وفي الأردن وسوريا ولبنان، من خلال تبني توجه استراتيجي مشبوه يستهدف تقويض حق العودة عبر إخضاع الأونروا داخل فلسطين، وإعادة هيكلتها وإناطة مهام توطينية بها في مناطق عملياتها خارج فلسطين.

هذا هو المبتغى. هذا هو النصر الذي يسعون جاهدين لتحقيقه.

إن ترأس وزيرة خارجية فرنسا سابقًا لهذا الفريق "المستقل" يحمل دلالات سياسية واضحة وجلية، وإن تسخير ثلاثة مراكز بحثية غربية – ثلاثة مراكز بأكملها! – لمساعدتها في تقييم "مدى التزام الأونروا بالحيادية" من عدمه، والتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة وممثلي الدول والكيان المحتل، والعمل بنشاط على "نشر باحثين تابعين لها في منطقة الشرق الأوسط"! يذكرنا بالدور المشبوه الذي لعبته مؤسسة فافو FAFO النرويجية بعد توقيع اتفاقية أوسلو. أكاد أجزم بأن أهداف هذا الفريق أبعد ما تكون عن المهنية المزعومة والهدف المعلن.

فالهدف الحقيقي – و التكرار هنا بغرض التأكيد على الأهمية – هو القضاء التام على الأونروا في فلسطين، وتحويلها إلى مؤسسة إنمائية تنموية توطينية في كل من سوريا والأردن ولبنان، وإغراقها بأموال عربية هي في أمس الحاجة إليها، أو ليست بحاجة إليها، من أجل تحقيق هذا الهدف المأمول.

يخيل إلينا نحن الفلسطينيين القابعين خارج غزة بأننا قد تحولنا إلى مجرد كائنات "كالزومبي"، مخدرين فاقدي الإرادة، مصدومين مما يحدث حولنا، وغير قادرين على استلهام أدبياتنا التي تؤكد على قدسية حق العودة، وغير قادرين على استنباط بيانات قوانا السياسية التي تعتبره خطًا أحمر بات مستباحًا، ولا تسعفنا صلواتنا ولا استخاراتنا ولا عبارات استنكارنا وقلقنا وشجبنا في تغيير هذا الواقع المرير.

إننا نرى ما يحدث بأم أعيننا، وندرك تمامًا أبعاد ما يجري، وندرك كذلك أن الطرف الآخر يقترب بخطى ثابتة من المساس بأركاننا الثلاثة التي لا يمكن التفريط فيها: القدس، والعودة، وتقرير المصير. فطرد الوكالة من القدس يشكل ضربة قاصمة للركن الأول، وقد سبقه ويتبعه السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى. وطرد الوكالة من غزة وإنهاء وجودها فيها، ومن ثم تحويلها إلى مؤسسة تنموية وإغاثية تعمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان، وتهجير من تستطيع من سكان الضفة الغربية إلى الأردن، و"توطين" من تبقى منهم في الضفة، وتحويل مخيماتنا في الضفة الغربية إلى مدن وتجمعات سكنية، يمثل نسفًا للركيزة الثانية فلسطينيًا، وعندها وبدون القدس، وبدون حق العودة، لن يكون هناك أي مكان للركن الثالث، ألا وهو تقرير المصير.

إن كل ما نسمعه من الجانب الفلسطيني هو صمت مطبق يصم الآذان! فلا توجد جهات رسمية ولا دوائر حكومية ولا جهات شعبية أو جماهيرية ولا نقابات مهنية، ولا حتى نقابة عاملي الأونروا نفسها، ولا يوجد جهد دبلوماسي فاعل، ولا تقوم المؤسسات البحثية، ولا مؤسسات المجتمع المدني بدورها في دق جرس الإنذار وتحذير الجميع من الخطر المحدق، ولم تتعامل أي من هذه الجهات حتى اللحظة مع ما يتبلور وينفذ على أرض الواقع.

لذا، يجب اتخاذ خطوات عاجلة (بالإضافة إلى الخطوات الأخرى المقترحة): والمطلوب بشكل خاص من دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تضطلع بدور قيادي، وأن:

تتابع عن كثب أعمال "فريق العمل المستقل"؛ لأن التفويض الممنوح له والأهداف التي يسعى إليها تثير القلق البالغ. وأن تطلق حملة دبلوماسية وإعلامية واسعة النطاق تهدف إلى حماية الأونروا والدفاع عنها، والتركيز بشكل خاص على ضمان عدم تغيير تفويضها أو ولايتها. وأن تتابع عن كثب الإجراءات المتعلقة بالتحقيق الداخلي في مزاعم تورط بعض الموظفين، والعمل على ضرورة إعادة الموظفين الذين لم تثبت بحقهم أي اتهامات. والعمل على مقاضاة الكيان الصهيوني وجيشه لارتكابهم جريمة قتل 158 موظفًا أمميًا فلسطينيًا، والمطالبة بالتعويض ومحاكمة القتلة. والمتابعة الحثيثة لملف تعويض الأونروا ماديًا من قبل الكيان عن الدمار الذي لحق بعشرات المنشآت التابعة لها، ومعاقبة المسؤولين عن ذلك.

كما يجب عليها أن تصدر ورقة موقف رسمية توضح موقف القيادة الفلسطينية بشكل صريح وواضح من العدوان المتواصل على الأونروا وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وعقد اجتماعات مكثفة مع المؤسسات الأكاديمية والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الجماهيرية، وتفعيل دور اللجان الشعبية والاتحادات والنقابات، وحشد جماهير اللاجئين للدفاع عن حق العودة وعن الأونروا. والتأكد التام من عدم المساس بالمنهاج الفلسطيني المعتمد في مدارس الوكالة في فلسطين تحت ذريعة "الحيادية"، والدفاع عن حق عاملي الأونروا في التعبير عن انتماءاتهم الوطنية، والتأكيد على أن هذا لا يعتبر بأي حال من الأحوال خرقًا لمبدأ الحيادية. وتشكيل فريق فلسطيني إعلامي وحقوقي متخصص في تفنيد الادعاءات الباطلة المعلنة ضد الوكالة، بهدف إعداد ملف شامل لتقديمه إلى الأمم المتحدة، يوضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأونروا ومؤسسات الأمم المتحدة العاملة في فلسطين المحتلة، والمطالبة بتشكيل فريق أممي للتحقيق والمحاسبة.

وهناك بالفعل العديد من الخطوات الأخرى التي تم طرحها من قبل جهات عديدة تصب في نفس الاتجاه.

ولكن يبقى السؤال الملح الذي يطرح نفسه بإلحاح: متى سنتحرك بقوة جارفة تعادل حجم الخطر الوجودي الداهم الذي يهددنا جميعًا؟!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة